فيما تتأهب وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" لإطلاق مهمة "دابل أسترويد ريدايركشن تست" ("اختبار إعادة توجيه كويكب مزدوج"، أو "دارت" Dart المكونة من الأحرف الأولى لاسم المهمة double asteroid redirection test) يوم الإثنين، ينشغل تفكير شيري فيبر- باير، الأستاذة المساعدة في دراسات الفضاء في "جامعة نورث داكوتا"، بالأخطار التي تنطوي عليها هذه المهمة الأولى من نوعها لاختبار تكنولوجيا منوطة بها مهمة تشتيت الكويكبات الخطيرة.
تشير باير إلى الحادثة الغامضة نسبياً والمسماة "تكتيت"tektite التي وقعت في أستراليا، وترتبط باصطدام مذنب أو كويكب قبل نحو 790 ألف عام في جنوب شرقي آسيا، "وقد تسبب في إحراق جزء كبير من جنوب شرقي آسيا، مما أدى إلى القضاء على 10 في المئة أو أكثر من أسلاف البشر ممن كانوا على قيد الحياة آنذاك".
في تصريح أدلت به إلى "اندبندنت"، ذكرت الدكتورة فيبر باير "لهذا السبب تكتسي مهمة (دارت) أهمية كبيرة. إن ارتطام نيزك صغير أو نواة مذنب يعتبر الكارثة الطبيعية الوحيدة التي يحتمل تجنبها، ويمكن أن تهدد الحضارة البشرية أو حياة جزء كبير من الجنس البشري".
مساء الإثنين، ستصطدم مركبة الفضاء "دارت" التابعة لوكالة "ناسا" عمداً بكويكب صغير على بعد 6.8 مليون ميل من الأرض في محاولة لتغيير مدار الكويكب، في عملية تدريب عن إمكانية تحويل مسار أي صخور فضائية من شأنها تعرض الأرض للخطر في المستقبل، ذلك أن ارتطام الكويكب الذي تستهدفه "دارت" لا يتهدد الأرض.
ما الكويكبات التي تشكل خطراً محتملاً؟
لكن التهديد المحتمل الذي تطرحه كويكبات أو مذنبات أخرى يبقى حقيقياً، حتى لو كان نادراً نسبياً، وتتراوح النتائج من الاصطدامات الكبيرة التي في مقدورها أن تقضي على معظم الحياة على الأرض، إلى حوادث لا تكاد تشكل ضربة مباشرة للكوكب إلى حد كبير، لكنها تعرقل الحضارة البشرية على أي حال.
وبحسب الدكتورة فيبر باير، "ليس الأمر مجرد ضربة للأرض. لدينا كثير من الأشياء الموجودة في الفضاء المحيط بالأرض، وتشكل تلك الأشياء أهدافاً سهلة المنال. حينما يحلق كويكب صغير على مقربة من الأرض، فقد يعطل كثيراً من البنية الأساسية الفضائية لكوكبنا من دون التأثير بالضرورة في الأرض".
وبشكل عام، لا تشكل كثير من الكويكبات تهديداً للأرض، إذ تتمركز أعداد كبيرة منها في مدارات لن تتقاطع أبداً مع كوكبنا، في حين أن البعض الآخر صغير جداً إلى حد أنه ربما يحترق في الغلاف الجوي للأرض دونما وقوع أي أضرار. ويدخل الغلاف الجوي للأرض سنوياً أكثر من 48 طناً من الصخور الفضائية، بعضها بحجم كرات القدم، والبعض الآخر بحجم حبيبات الرمل، وفق وكالة "ناسا".
ولكن نحو ألفين و259 كويكباً معروفاً أدرجت ضمن فئة "كويكبات محتملة الخطورة" Potentially Hazardous Astroids ["بي أتش أي"] PHA، وفق الدكتورة فيبر باير، وقد جرى تصنيفها وفق قياس أقرب موضع لها من مدار الأرض، وكذلك حجمها. إذا بلغ قطر صخرة فضائية نحو 460 قدماً (140 متراً تقريباً) أو أكبر، وكان مدارها يقع على بعد 46 مليون ميل (74029824 كيلومتراً) من مدار الأرض تقريباً، أو نحو 19.5 ضعف المسافة من الأرض إلى القمر، فإنها تطرح خطراً محتملاً.
بناء على الحسابات المذكورة فإن نحو 7.7 في المئة من الأجرام المعروفة التي تتمركز على مقربة من الأرض من نوع "الكويكبات المحتملة الخطورة".
ما مدى خطورة الكويكبات؟
من السهل معرفة السبب وراء وضع هذه الشروط المتصلة بحالة "الكويكبات المحتملة الخطورة"، أقله المعايير الخاصة بالحجم. فحينما يسافر كويكب يبلغ قطره 460 قدماً تقريباً، 140 متراً، بسرعة 44 ألف ميل في الساعة، يكون في وضعية مثالية لتسديد ضربة تطلق طاقة تساوي 170 مليون طن من مادة "تي أن تي" المتفجرة، وفق توضيح من الدكتور فيفر باير، أو "نحو ثلاثة أضعاف الطاقة المنبعثة من أكبر قنبلة هيدروجينية على الإطلاق انفجرت على سطح الأرض"، وقد حملت اسم "قنبلة القيصر السوفياتي"، وبلغت قوتها 50 ميغا طن من الـ"تي أن تي" المتفجر".
حتى الصخور الفضائية الصغيرة تنطوي على خطورة، استناداً إلى مدى تماسكها أثناء دخولها الغلاف الجوي للأرض.
تشير الدكتورة فيبر باير إلى أنه في 2013 انفجر نيزك صغير على ارتفاع نحو 97 ألف قدم فوق منطقة "أوبلاست تشيليابينسك" في روسيا، مما أدى إلى حدوث موجة صادمة حطمت النوافذ وألحقت أضراراً بالمباني. بلغ قطر ذلك النيزك نحو 20 متراً، أو 66 قدماً، "وأطلق طاقة تعادل نحو 400 إلى 500 كيلوطن من مادة تي أن تي"، وفق كلماتها.
تذكيراً، ولدت القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة على مدينة "هيروشيما" اليابانية طاقة تعادل 15 كيلوطناً من "تي أن تي"، لذلك لو أن نيزك "تشيليابينسك" بقي متماسكاً لفترة أطول وانفجر على مقربة من الأرض، بحسب ما أشارت الدكتورة فيبر باير، "فإن مليون شخص تقريباً كانوا سيتضررون بأثر من هذا الانفجار الجوي وحده".
إلى أي مدى علينا أن نقلق في شأن الكويكبات؟
في مؤتمر صحافي عقده يوم الخميس وتحدث فيه عن مهمة "دارت"، أخبر ليندلي جونسون، ضابط الدفاع الكوكبي في "ناسا" الصحافيين أنه "لحسن الحظ، ضربات الكويكبات الكبيرة تبقى نادرة نسبياً. مرة في كل قرن، ربما نرصد كويكباً ما ويعترينا قلق في شأنه ونسعى إلى حرفه عن مساره".
وأوضح الدكتور جونسون أن الأمر الرئيس الذي يفوق في أهميته ربما تطوير تقنيات على شاكلة "دارت" لتحويل مسار الكويكبات، يتمثل في الحرص على رصد كل تلك الأجرام. ولذا، تعتزم "ناسا" إطلاق قمر اصطناعي جديد بحلول عام 2026، هو "التلسكوب الفضائي لمراقبة الأجسام القريبة من الأرض" (اختصاراً "نيو") NEO، بغرض المساعدة في هذه الخطوة على وجه الخصوص.
وكذلك أخبر جونسون الصحافيين أن "التلسكوب الفضائي لمراقبة الأجسام القريبة من الأرض سيعثر على مجموعة من كويكبات يبلغ حجم الواحد منها 140 متراً أو أكبر، في غضون نحو 10 سنوات. إنها فترة قصيرة جداً من الزمن الجيولوجي، لذا لست قلقاً من حدوث ارتطام في هذا الإطار الزمني، إلا إذا كنا غير محظوظين على الإطلاق".
في الواقع، يعطي الإطار الزمني المذكور وقتاً كافياً لـ"ناسا" كي تدرس بعناية نتائج مهمة "دارت" والتأكد مما إذا كان مستطاعاً استخدام نسخة مطورة أكثر من المركبة الفضائية "دارت"، أو بعض التقنيات الأخرى، بغية إبعاد تهديد كبير لكويكب أو مذنب ما إذا ظهر أي منها في أفق الفضاء.
وبحسب الدكتور جونسون، فإن وكالة الفضاء الأميركية "لن تلجأ إلى إنشاء أسطول دائم من المركبات الفضائية من نوع (دارت). ستطور هذه التكنولوجيا على الأرجح. في غضون 30 أو 40 عاماً من الآن، تخيلوا التكنولوجيا التي ستكون في متناولنا لتشتيت مسار كويكب؟".
في الحقيقة، لا ريب أن التكنولوجيا قد قطعت شوطاً بعيداً خلال العشرين عاماً التي عكفت فيها الدكتورة فيبر باير على دراسة الكويكبات.
وختمت الدكتورة حديثها بالعودة إلى "دارت"، موضحة أنه حينما شرعت في "دراسة الكويكبات، كانت (المركبة الفضائية "دارت") حلماً بعيد المنال. إننا إزاء اختبارنا التكنولوجي الأول، وهو مذهل حقاً. سنرى ما إذا كانت هذه الأفكار تؤتي ثمارها".
يبقى أن تلفزيون وكالة الفضاء الأميركية سيبث اختبار "دارت" التابع لـ"ناسا" على الهواء مباشرة ابتداءً من الساعة السادسة مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة مساء يوم الإثنين.