ابن الإنس والجن، بل ينسبه البعض لابن الشيطان...
هو إنسان لا كالبشر، له علامات يتميز بها عن غيره من الناس، حيث يزال عنه الغشاء الفاصل بين عالمنا والعالم الآخر المخفي إذا تُليت عليه آيات قرآنية معينة أو إذا قطر على عينه ماء مقروء عليه القرآن.. فيستطيع رؤية الجن وتنفتح أمامه
العوالم الخفية...
لهذا يستغله السحرة والباحثون عن الكنوز لفتح الأقفال المرصودة من الجن واستخراج الدفائن... ولعل القصة المشهورة في الأدب العربي «علاء الدين والمصباح السحري» ماهي إلا تجسيد حي من الواقع لقصة «الزوهري» واستخراج الكنوز...
من خلال ملف هاته الحلقة، سنحاول فك طلاسم لغز الكنوز المدفونة والغوص في عالم من المسكوت عنه والمغلق بأبواب من الأسرار، ومن تلك الأسرار: ما هي حقيقة «الزوهري» الذي يعد المفتاح الأهم لاستخراج الكنوز، وهل هو فعلا من أبناء الجن تم استبداله يوم مولده بأحد أبناء الآدميين؟ أو هو طفل هجين بين الإنس والجن؟ وهل هناك أصلا كنوز مدفونة تنتظر أولئك أم أن
الأمر كله مجرد محض للخيال؟
لفهم حقيقة الزوهري، علينا أولا الغوص في عالم الفقهاء مكتشفي الكنوز وأسرارهم...
فلنبدأ...
كثيرة هي القصص والروايات التي يتداولها المغاربة حول استخراج الكنوز من باطن الأرض، ومع ذلك؛ فغالبا ما يحاط البحث عن الكنوز المدفونة بهالة من السرية. لأن الأمر يتعلق بممارسات تستدعي قدرا عاليا من التكتم والسرية، فمحترفوها قليلا
ما يعلنون عن هوياتهم.
وما قد يكتشفونه من كنوز لا ينبغي التصريح به بالمرة. فالجميع يعلم أن ما تحت الأرض هو ملك للدولة، ولهذا يبدو طبيعيا أن يطبق الصمت ليس فقط على طرائق الاشتغال بل حتى
مع التعاطي مع هذا الأمر..
ومع ذلك، فكثيرا ما يستفيق أهالي وقاطني بعض القرى والبوادي على نبأ استخراج «فقهاء» لكنز أو دفينة من باطن الأرض، حيث يتحلقون حول حفرة لينسجوا من عمقها قصصا خيالية أو أساطير عن نوع الكنز المفقود، بل تتسع مساحة الاستغراب والاندهاش عند رؤية حفرة عميقة
في جوف أحد الأضرحة..
واستخراج الدفائن والخزائن ليس هواية أو لهوا يتسلى به الفقهاء، بل هو علم قائم على قواعد وضوابط، هذا العلم مبني على ممارسات
وطقوسا يتعلمها السحرة من كتب قديمة تتحدث عن علوم (الجداويل) و(التعزيم)، وأي خطأ في قراءة التعزيمة قد يؤدي إلى الموت المحقق...
وهنالك بعض الروايات التي تتحدث عن حالات عقاب من طرف الجان لمشعوذ لم يلتزم ببعض الضوابط أو اقتحم مجال الكنز عن جهل أو
استخفاف.
ومنذ القدم والمغاربة يعتقدون أن باطن أرض بلدهم مليئ بالكنوز، وأن تلك تلك الكنوز مرصودة من قبل الجن، ويعد البحث عنها أحد مجالات السحر التي تحظى باهتمام صنف خاص من المتعاطين له، والذين يتكتلون في إطار شبكات متخصصة في عمليات التنقيب لإخراج الكنز أو الخبيئة من مخبئها المرصود بالجن المكلف بحراستها.. ووحدهم العارفون بأسرار الكشف عن الكنز أو الخبيئة في استطاعتهم تحديد مكان تواجد موقع الدفن وإخراجه من مخبئه السري من دون خسائر، وإذا ما أراد شخص غير متخصص في استخراج الكنوز أن يرى موقع الخبيئة واستخراجها فحتما ستصيبه لعنة الجن الحراس ويقدفون به إلى الربوع الخالية أو يجعلون منه مسخا آدميا
جزاء لتجزءه على ممتلكات الجن.
أما المشعوذ العارف والمختص في استخراج الكنز فيرسم جدولا في ورقة ويضيف إليه خصلة حرير
أو صوف أو ريش ويبخر بالمقل الأزرق والصندل وهو يقرأ سورة الكهف إلى أن تطير الخصلة نحو المكان المتواجد فيه الكنز، ليبدأ المشعوذ بعد ذلك بتلاوة سور وآيات قرأنية تارة وترديد طلاسم غير مفهومة تارة
أخرى ...
كما أن للبخور بالمسك والعنبر وبعض البخور الأخرى الطيبة الرائحة دور في تهدئة الجان وصرفهم من مكان الخبيئة...وكل خطأ من قبل المشعوذ أو احد معاونيه يعرض حياة الجميع للخطر، والباحث عن الكنوز رغم كل علمه وحكمته لا يستطيع أن يستخرج كنزا من مخبئه دون الجوء إلى مساعدة، وغالبا ما يقوم بالعمل فريق من الطلبة الفقهاء الحافظون للقرآن والذين يستعينون بشخص له علامات خاصة تدل عليه، ويسمى في
اللسان الدارج للمغاربة «الزوهري»..
«الزوهري» الذي يعد أحد المفاتيح المهمة لاستخراج الكنز، هو إنسان قد يكون ذكرا أو أنثى، يعرف بعلامات مميزة، أبرزها وجود خط يقطع راحة يده عرضا.. وكذلك علامة
في لسانه وعينيه ومؤخرة رأسه.
وهذه العلامات تدل على أن من يتوفر عليها هو من أبناء الجن تم استبداله عند ولادته بأحد أبناء الآدميين أو هجين بين
الإنس والجن...
بهذه الصفات، فالزوهري لا يخاف من الجن كما أن هذا الأخير لا يستطيع أديته إن هو اقترب من الكنز.. فهما ببساطة من جنس واحد... جنس الجان.. ولذلك يلجأ «فقهاء الكنوز» إلى خطف أحد الأطفال الذين لديهم علامات معينة باليد أو العين أو اللسان للاستعانة بهم لنقل محتويات
الخبيئة...
حيث يقوم مستخرجو الكنوز بإنزال «الزوهري» لينوب عنهم في إفراغ المحتويات النفسية تحت الأنظار العاجزة للجن الحراس، ولو فعل «الفقهاء» المنقبون ذلك بأنفسهم لتعرضوا لانتقام لا يرحم، حيث يقوم الحراس بمعاقبتهم، رغم ذلك لا يسلم
الزوهري من الأذى هو أيضا...
قصص كثيرة حول اختفاء واختطاف بل وحتى قتل أطفال.. والدافع واحد، وهو استخراج الكنوز بواسطتهم...
حيث جعلت بعض القصص والأساطير الشعبية الطفل «الزوهري» في بؤرة الخطر، بل وساهمت في اهتمام السحرة والمشعوذين به، لذا فإنها قد تؤدي إلى نهاية مأساوية لا تحمد عقباها، إذ قد يتعرض هذا الطفل البريء للدبح فوق مكان الكنز أو بتر أحد أطرافه قربانا للجن، لأن الجن الذين يحرسون هذه الخزائن متعطشون لهذا
النوع من الدماء...
وقدعَرفالمغربحالاتاختفاءعددكبيرمن الأطفال «الزوهريين» بشكل مفاجئ، وأغلب هذه الحالات وقعت في المدن والضواحي الغنية بالكنوز كمراكش ودكالة والشاوية ومناطق
سوس.
عَّرفالتراثالإسلامي«الزوهري»أوالطفل الهجين بين الإنس والجن بالمغرب، حيث روي عن أم المؤمنين عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (إن فيكمُم َغَّر ِبين)، وحين سألت عائشة رضي الله عنها الرسول عنهم قال: (الذين
يشرك فيهم الجن)..
أي يختلط دمهم بدم الجن عبر النكاح..
ومن أبرز الشخصيات التاريخية التي اعتبرها المؤرخين من هذا الصنف بلقيس ملكة سبأ، حيث ادعت كتب التاريخ أن أحد أبويها من
الجن...
السؤال الآن هو: هل هؤلاء «المغربين» موجودون فعلا؟ وهل هم نفسهم من نطلق عليهم «الزوهريين»؟ وهل هذا العرق الغريب والهجين بين الإنس والجن هو ما بنى السحرة والمشعوذون أو «فقهاء الكنوز» عليه اعتقادهم لكي يهرقوا دمه على باب المغارة ليفتح لهم
الكنز؟
قصة علاء الدين ذلك الفتى النبيه الطموح الذي يحمل مواصفات الطفل المحظوظ الذي سوف يحظى رغم أصوله الفقيرة بأميرة حسناء جميلة عاشت في القصر طول حياتها... حيث ستتغير حياته من الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش بسبب مشعوذ همه جمع المال، أراد أن يستغل براءة علاء الدين في الوصول إلى
كنز يحرسه جني...
نعم هو ما تفكرون فيه الآن، فعلاء الدين الذي وجد فيه المشعوذ مواصفات خاصة لا تتوافر في أقرانه، ما هو إلا تجسيد لقصة «الزوهري»، وخوف المشعوذ من الجني حارس المكان قاده إلى البحث عن هذا الطفل البريء، «الزوهري»..
قصة علاء الدين التي وصلت المغرب من الشرق الخيالي، وتحورت عبر الزمن من طفل يقول «افتح يا سمسم» ليفتح له «المارد» الباب المقفول، ويدخل ويحصل على المصباح السحري والخاتم العجيب... إلى طفل بريء ولد وبكفه خط متصل ليس عند أقرانه مثله، ليذبح على باب مغارة نائية أو في واد سحيق قربانا لذلك المارد كي يفتح دفائنه ويخرج
كنوزه...
هنا نغلق ملف «الزوهري»، لنفتح ملفا جديدا من ملفاتنا الغامضة..