في واحدة من أقوى اللحظات التي تميز المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي تختتم فعاليات دورته ال21 يوم غد السبت، يبرز تقليد عبور السجادة الحمراء، الذي يتجاوز كونه ممرا لبروز النجوم المشاركين فيه والتقاط الصور لهم، ليشكل منصة يتم عبرها تمرير رسائل الحوار والتنوع والانفتاح، التي يسعى المهرجان إلى إشاعتها من مراكش إلى العالم.
فعبر السجادة الحمراء للمهرجان، التي تشكل لحظة لا محيد عنها بالنسبة لوسائل الإعلام الوطنية والعالمية لالتقاط صور المشاهير وأخذ تصريحات صحافية معهم، يرصد المشاهدون عبر العالم ذلك التنوع البارز في طبيعة المشاركين، من شرق العالم إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، وهم يرتدون أزياء تعكس تقاليد بلدانهم وتراثها الحضاري، الذي يشكل اللباس أبرز تجلياته.
وبالحديث عن الأزياء، فقد شكل القفطان المغربي « نجم السجادة الحمراء » طيلة أماسي المهرجان، حيث تألقت به فنانات مغربيات وعربيات، بل وأجنبيات، بشكل يكرس الهوية المغربية لهذا التراث الوطني الأصيل، مع ما يحمله من بعض اللمسات التجديدية التي أبدعها مصممو الأزياء المغاربة.
تجل آخر من تجليات التنوع الذي تعكسه السجادة الحمراء للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، يتمثل في ذلك التنوع اللغوي الذي يميز المارين عبرها من مختلف الجنسيات والأعراق، والذين لا يفتؤون يقدمون تصريحاتهم بكل لغات أهل الأرض. وهو تجل امتد، على سبيل المثال، إلى منصة حفل الافتتاح، حين أعلن أعضاء لجنة تحكيم المسابقة، كل بلسان أهله، عن انطلاق فعاليات هذه الدورة، باللغات العربية، والفرنسية، والإنجليزية، والإسبانية، والفارسية، والهندية، والإيطالية.
السجادة الحمراء فتحت ذراعيها أيضا لفئة المخرجين الشباب والصاعدين، سيما ممن يشارك منهم في المسابقة الرسمية للمهرجان، المخصصة لمكافأة الأفلام الأولى والثانية لأصحابها، وهو ما يجعل منها منصة لتسليط الضوء عليهم وتقديمهم لوسائل الإعلام وللعالم، ليستمع إلى أصواتهم، ويتابع القضايا التي تناولوها في أعمالهم.
ميزة أخرى يقدمها تقليد السجادة الحمراء للمهرجان تتمثل في كونها تمثل لحظة يلتحم فيها كبار الفنانين المغاربة والأجانب مع جمهور عاشق للسينما وشغوف بتوثيق لحظة المهرجان من خلال التقاط صور مع رواده، مما يكرس دور هذه التظاهرة باعتبارها جسرا بين صناع السينما وعشاقها.
وإذا كانت السجادة الحمراء عادة ما تقترن بأجواء الفرح والبهجة، فإنها شكلت، في واحدة من ليالي هذه الدورة من المهرجان، فضاء للتعبير عن مشاعر التأثر والتعاطف، التي سادت خلال أمسية تكريم الفنانة القديرة الراحلة نعيمة المشرقي، حيث ارتدى كثيرون ممن عبروها تلك الليلة من الفنانين ومن أفراد عائلة الراحلة اللون الأسود، تعبيرا عن « فداحة الرزء » الذي أصاب الساحة الفنية الوطنية برحيل أيقونتها، بشكل تحولت معه السجادة الحمراء إلى فضاء لإشاعة قيمة التضامن بين الفنانين.
على أن أجواء السجادة الحمراء بمراكش مثلت أيضا فضاء لطرح النقاش بخصوص قضايا اجتماعية وإنسانية عديدة. ذلك أن التصريحات الصحافية، التي يدلي بها الفنانون لوسائل الإعلام بمناسبة مرورهم عبرها، تجد طريقها إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتفتح بذلك الباب على مصراعيه للتعبير عن الآراء بخصوص القضايا التي تثيرها، من قبيل المساواة بين الجنسين، واكتساح « المؤثرين » للعمل الفني، وتنوع المواضيع التي تتناولها الأفلام المشاركة، بما في ذلك الهجرة، واللجوء، والحروب، وتغير المناخ، وغيرها.
هكذا إذن، تتحول السجادة الحمراء في مهرجان مراكش من مجرد معبر لاستعراض الأزياء والتقاط الصور إلى منصة لنقل قيم الحوار والانفتاح والتسامح، التي يراهن المهرجان على إشاعتها، وهو ما يكرس مكانة المدينة الحمراء كملتقى لتبادل الأفكار وتلاقح الثقافات، وفضاء للاحتفاء بثراء التنوع الإنساني في كل تجلياته.