بعد هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر وقفت الدول الأوروبية متحدة إلى جانب إسرائيل. لكن بعد مرور عام على الهجوم والحرب في غزة تغير الوضع، حسب خبراء. فأين وصلت علاقات الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وما مصيرها مستقبلا؟
رد فعل الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد على هجوم السابع من أكتوبر الإرهابي، كان واضحا: « إدانة الهجوم بشدة ». كما أعلن الاتحاد الأوروبي عن تضامنه مع إسرائيل وحقها « في الدفاع عن نفسها بما يتوافق مع القانون الدولي ضد مثل هذه الهجمات العنيفة والعشوائية ».
الموقف الأوروبي الأساسي لا يزال كما هو حتى اليوم: فالاتحاد الأوروبي مستمر في دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، يقول بيتر سانتو، المتحدث باسم مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.بيد أنّ سانتو يضيف في حوار مع DW: الاتحاد لا يزال يطلب من الشركاء الإسرائيليين التفكير في العواقب الإنسانيةلحرب غزة.
ومنذ الهجوم الإرهابي لحماس على إسرائيل والذي أدى إلى مقتل حوالي 1200 شخص واختطاف أكثر من 250 شخصا ونقلهم كرهائن إلى قطاع غزة، قتل حسب المصادر الفلسطينية أكثر من 40 ألف شخص منذ بدء العمليات البرية للجيش الإسرائيلي في غزة ردا على ذلك.
يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
تضامن قوي وموقف أوروبي موحد
بعد الهجوم الإرهابي مباشرة، لاحظ خبير شؤون الشرف الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هوغ لوفات بأنه « ربما لم تسبق لحظة وحدة أوروبية مثل تلك » في الموقف تجاه إسرائيل.
لكن بعد فترة قصيرة بدأ التصدع يظهر في هذه الوحدة، حيث بدأت الخلافات تظهر في النقاش حول ما إذا كان على دول الاتحاد الأوروبي أن تطالب بوقف دائم لإطلاق النار أم وقف مؤقت قصير.
وقالت دول مثل ألمانيا والتشيك إن الدعوة إلى وقف لإطلاق النار يتعارض مع حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، لذلك عارضت موقف الدول الأخرى مثل إيرلندا وإسبانيا التي دعت إلى وقف دائم لإطلاق النار. ففي قمة لدول الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2023، دعا قادة الدول والحكومات إلى فتح « ممرات إنسانية وهدنات (هدن) لأهداف إنسانية ».
وفي مارس 2024 كان هناك حديث عن « هدنات إنسانية فورية كشرط لوقف دائم لإطلاق النار ». وفي نفس الوقت طالب القادة الأوروبيون دائما بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وعبروا عن قلقهم حول الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وفي يونيو تحدث مجلس الاتحاد الأوروبي عن « عدد غير مقبول للضحايا المدنيين » وطالب من بين أمور أخرى، طرفي الصراع بفعل كل ما هو ممكن لحماية المدنيين.
وردت البعثة الإسرائيلية لدى الاتحاد الأوروبي والناتو خطيا على سؤال لـ DW بأن تعبير الاتحاد الأوروبي عن « التضامن والصداقة » بعد هجمات 7 أكتوبر هو محل تقدير، وخاصة زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة البرلمان الأوروبي، ميتسولا إلى إسرائيل عقب الهجوم.
لكن زيارة فون دير لاين إلى إسرائيل في 13 أكتوبر عرضها للانتقاد داخل الاتحاد الأوروبي بسبب « انحيازها » إلى إسرائيل.
كذلك حركت حرب غزة المجتمعات الأوروبية أيضا، حيث كانت هناك تجمعات ومظاهرات تضامن مع الفلسطينيين ومع إسرائيل أيضا، كما حصل في الجامعات الألمانية والفرنسية.
حرب غزة اختبار للعلاقات الأوروبية الإسرائيلية
في الأثناء، وبعد مرور عام على هجوم 7 أكتوبر، تتعرض علاقات الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لتوتر غير مسبوق، بسبب سلوك إسرائيل في قطاع غزة، حسب خبير شؤون الشرق الأوسط، هوغ لوفات.
إسرائيل تستند في عملياتها البرية في قطاع غزة إلى حقها في الدفاع عن النفس، وأن هجماتها تستهدف أعضاء حماس، وهي تحاول تجنب المدنيين ما أمكن ذلك. كما تتهم الحكومة الإسرائيلية حماس باستخدام المدنيين كدروع بشرية.
حتى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، لاحظ بعض التغيّر في أجواء العلاقات. بيتر سانتو، المتحدث باسمه، يرى أن سبب ذلك هو « الوضع الإنساني الكارثي في غزة والعدد الكبير غير المتناسب للضحايا المدنيين ».
وفي بداية سبتمبر الفائت كانت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، في زيارتها الـ 11 إلى المنطقة منذ هجمات 7 أكتوبر الإرهابية، وعبرت بوضوح قائلة: العمليات العسكرية في قطاع غزة لن تحل المشكلة بمفردها، وعلاوة على ذلك طالبت بوقف لإطلاق النار وانتقدت سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية.
لكن إلى أي حد تلقى كلمات الشركاء الأوروبيين آذانا صاغية في إسرائيل؟ في أبريل الماضي التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وزير الخارجية البريطانية وقتها ديفيد كاميرون وزميلته الألمانية أنالينا بيربوك، وأكد بعد اللقاء أنه « يقدر الاقتراحات والنصائح » لكنه سيتخذ قراراه بنفسه وسيفعل كل ما هو ضروري من أجل الدفاع عن إسرائيل.
هل بمقدور الاتحاد الأوروبي الضغط على إسرائيل؟
« مشكلة الاتحاد الأوروبي، حسب اعتقادي، ليست في الافتقار إلى وسائل الضغط، وإنما الافتقار إلى الإجماع الداخلي » يقول خبير شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، هوغ لوفات. فمن وسائل الضغط التي يمكن أن يستخدمها الاتحاد الأوروبي مثلا فرض عقوبات أو استخدام العلاقات الاقتصادية بما فيها اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.
وفقا للاتحاد الأوروبي، فإنه أكبر شريك تجاري لإسرائيل. واتفاقية الشراكة لعام 2000 « وفرت الإطار المؤسساتي للحوار السياسي والتعاون الاقتصادي » بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي. فمن بين أمور أخرى تتضمن الاتفاقية بنودا حول حقوق الإنسان ومنطقة للتجارة الحرة، ولكن ليس لمنتجات المستوطنات في المناطق الفلسطينية المحتلة.
وقد طالبت بعض الدول الأوروبية بمراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل في ضوء الوضع في قطاع غزة، لكن ذلك فشل بسبب غياب موقف موحد، حسب بيتر سانتو، المتحدث باسم مفوض السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل الذي دعا بدوره في ماي عوض ذلك إلى اجتماع لمجلس الشراكة الأوروبي الإسرائيلي.
وهذا المجلس يجب أن يجتمع مرة كل عام حسب الاتفاقية. وفي عام 2022 عقد أول اجتماع لهذا المجلس بعد توقف دام عشر سنوات، وتجري التحضيرات من أجل اجتماع آخر للمجلس، حسب سانتو.
وأكدت بعثة إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي، أنها أهم شريك للاتحاد في الشرق الأوسط وأن العلاقات بينهما تستند إلى التاريخ والقيم المشتركة بينهما. وبالنظر إلى التحديات المشتركة مثل مكافحة الإرهاب، فإن عقد اجتماع سنوي مشترك أمر طبيعي ويخدم المصالح المشتركة.
في أبريل فرض الاتحاد الأوروبي لأول مرة عقوبات على مستوطنين من الضفة الغربية المحتلة. وفي يوليوز تم فرض عقوبات أخرى بسبب انتهاكات حقوق الإنسان للفلسطينيين في الضفة الغربية. وفرض مثل هذه العقوبات يتطلب إجماع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
الخلاف حول حل الدولتين
يقول سانتو إن كل الدول الأوروبية تتفق على المطالبة بحل الدولتين، أي دولة للفلسطينيين إلى جانب إسرائيل، والأحداث بعد هجمات 7 أكتوبر لم تغير شيئا في ذلك. وهذا بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو « الحل الوحيد الممكن » وهو يعمل بالتعاون مع شركائه الدوليين كما في إطار الأمم المتحدة من أجل ذلك.
لكن الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو أعلنت أكثر من مرة عن رفضهالحل الدولتين، ومؤخرا صوت البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) أيضا من جديد ضد ذلك.
وإذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يدفع بحل الدولتين إلى الأمام، يجب أن يقوم بخطوات محددة، حسب رأي هوغ لوفات. ومن هذه الخطوات يمكن أن يكون الاعتراف بدولة فلسطينية أو فرض عقوبات حاسمة على المستوطنين في الضفة الغربية. في ماي اعترفت إيرلندا وإسبانيا بدولة فلسطينية وفي يونيو فعلت سلوفينيا ذلك أيضا. وبذلك اعترفت حوالي دزينة من دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 بدولة فلسطينية، لكن ألمانيا ليست من بينها.