تشهد التجارة في مخدر الكبتاغون زخمًا متزايدًا عبر ألمانيا وداخلها بعد تحوّلها من مجرد دولة عبور إلى دولة إنتاج، كما كشفه تقرير للقناة الألمانية الأولى (ARD) مؤخرا.
لم يكن مخدر الكبتاغون معروفا في ألمانيا قبل بضعة أعوام إلَّا لخبراء الشرطة أو أجهزة الاستخبارات أو معاهد الأبحاث الدولية. وهذا المخدر موجود في شكل أقراص منقوش عليها حرف سي « C » بشكل مميَّز ومزدوج وقد أصبح مرادفًا يرمز إلى واحد من أكثر الأعمال التجارية ربحًا في تجارة المخدرات الدولية. وذلك لأنَّ تكاليف إنتاجه رخيصة وثمنه مرتفع في الشارع.
وهو يتكون بشكل أساسي من مادتي الأمفيتامين والكافيين اللتين لا يزيد ثمنهما عن بضعة سنتات لكل قرص (حبة).
وأقراص الكبتاغون منتشرة بشكل خاص في العالم العربي حيث يتراوح ثمن كل قرص منها في شوارع مدن مثل الرياض أو جدة أو دبي ما بين 15 إلى 20 دولارًا. وبعد إنتاج الأقراص يتم تهريب كميات هائلة منها وأرباحها خيالية. فكمية مائة كيلوغرام من الكبتاغون يكلف إنتاجها نحو 50 ألف يورو وتباع في الشارع بأكثر من ثمانية ملايين يورو.
تطوّروت تجارة الكبتاغون الآن عبر ألمانيا وفي داخلها أيضًا وباتت تشغل المزيد من أقسام الشرطة في العديد من المدن الألمانية. أجرى فريق من وسائل إعلام ألمانية مختلفة – منها القناة الألمانية الأولى ARD وصحفية فرانكفورتر ألغماينة ومجموعة بايرن الإعلامية – بحثًا استغرق عامين حول تجارة الكبتاغون في جميع أنحاء العالم ودور مجموعات التجَّار في ألمانيا.
وفي هذا البحث اطلع الفريق على آلاف الصفحات من الوثائق والتحقيقات السرية – وتحدَّث إلى عشرات خبراء الأمن الألمان والأوروبيين والأمريكيين والعرب. وأظهرت نتيجة البحث أنَّ تجارة الكبتاغون وعملية إنتاجه يمكن أن تمثِّل في المستقبل مشكلة خطيرة بالنسبة لألمانيا وأوروبا.
لا يعرف « أكثر من عشرة بالمائة » حول هذه التجارة في ألمانيا، بحسب ما ذكره لوتس برايسلر، هو رئيس قسم مكافحة المخدرات في مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية (BKA). وهو يهتم منذ عدة سنين بمكافحة تهريب هذا المخدر. وبحسب وصفه يبقى نحو 90 بالمائة من تجارة الكبتاغون مخفيًا عن المحققين في ألمانيا.
وعلى الأرجح أنَّ هذه الكمية ضخمة: ففي الأعوام الثلاثة الماضية، ضبطت الجمارك والشرطة في ألمانيا نحو 1.2 طن من الكبتاغون – وهذا يمثِّل نسبة العشرة بالمائة المعروفة للسلطات والتي تحدَّث حولها ضابط الشرطة لوتس برايسلر.
وهذه الكمية تبيِّن حجم ما يتم تهريبه عبر ألمانيا كدولة عبور من قِبَل عصابات الكبتاغون السورية واللبنانية.
ولكن لقد تغير الوضع الآن في ألمانيا التي لم تعد مجرد دولة عبور لتهريب هذا المخدر الذي بات يتم إنتاجه هنا في ألمانيا أيضًا. فقد اكتشف في الصيف الماضي مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية معملًا لإنتاج الكبتاغون في مدينة ريغنسبورغ. وتبيّن أنَّ مصدر المواد الأساسية لصنع أقراص الكبتاغون من هولندا.
تسير تجارة الكبتاغون على مستوى دولي وترتبط بشبكات معقدة تسيطر عليها – بحسب البحث المذكور – مجموعات من تجار سوريين في ألمانيا، كانوا يعملون في السابق بشكل منفرد ولكنهم باتوا يعرفون بعضهم وعلى اتصال أيضًا بمختلف العاملين في هذه التجارة.
أضهرت تحقيقات وسائل إعلام أألمانية أنَّ قضية معمل الكبتاغون في ريغنسبورغ ترتبط بقضية كبتاغون معقدة أخرى. وبحسب وثائق من داخل الأجهزة الأمنية فقد عثر المحققون على آثار في مسرح جريمة ريغنسبورغ تقود إلى أكبر كمية كبتاغون اكتشفت في ألمانيا حتى الآن.
فقد عثر المحققون على بصمات وآثار حمض نووي على مواد التعبئة والتغليف، تبيَّن أنَّها تعود لشخص مدعى عليه في قضية كبتاجون في ولاية شمال الراين فيستفاليا. وفي هذه القضية ضبط موظفو الجمارك في مدينة إيسن نحو نصف طن من الكبتاغون في عامي 2022 و2023 في فورسيلن بشمال الراين فيستفاليا وفي مطاري كولن/بون ولايبزيغ.
وبالرغم من العثور على بصمة أحد المشتبه بهم داخل معمل الكبتاغون في ريغنسبورغ، ولكن لم تكشف التحقيقات عن سبب وجوده هناك. ومثلًا من المثير كثيرًا للانتباه في البحث: على الرغم من ضبط كميات كبيرة من الكبتاغون في عموم ألمانيا، ولكن التحقيقات تجري على مستوى محلي لا يكاد يسمح بالكشف عن الشبكات التي تقف خلف هذه الكميات.
عمل أنطونيو هوبارد عميلًا سابقًا في وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA) وقد أمضى 25 عامًا في دول مختلفة من بينها كولومبيا وأفغانستان، وكان مؤخرًا نائب رئيس العمليات في أفريقيا. وهو واثق مما يقوله في صدد تحوّل ألمانيا وأوروبا من دول عبور إلى مواقع إنتاج، كما ذكر في مقابلة مع القناة الألمانية الأولى وصحفية فرانكفورتر ألغماينة ومجموعة بايرن الإعلامية.
وفي حين تفترض السلطات المحلية مثل مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية حتى الآن عدم وجود أي استهلاك يذكر للكبتاغون في ألمانيا، إلَّا أنَّ أنطونيو هوبارد مقتنع من خلال خبرته بأنَّ المهربين يحتفظون بكميات من المخدرات المهربة ويروِّجونها في السوق.
وحول ذلك يقول محقق الشرطة الجنائية لوتس برايسلر إنَّه لا توجد في ألمانيا حتى الآن سوق واضحة لتجارة الكبتاغون. ولكن أنطونيو هوبارد يبقى متشائمًا ويقول: « يجب على جميع الدول أن تشعر بالقلق إزاء صعود الكبتاغون ».
ومع ذلك تزداد الدلائل التي تشير إلى احتمال انتقال إنتاج الكبتاغون إلى ألمانيا وأوروبا. تمكن فريق البحث الخاص بالقناة الألمانية الأولى وصحفية فرانكفورتر ألغماينة ومجموعة بايرن الإعلامية من الحديث إلى أحد مهربي الكبتاغون في ألمانيا. وقد ذكر هذا المهرب أنَّ الواقفين خلفه في عصابات الكبتاغون السورية واللبنانية أخبروه بأنَّهم لن يرسلوا في المستقبل من هناك إلى أوروبا سوى المسحوق.
وبالتالي سيتم تصنيع أقراص الكبتاغون هنا ومن ثم توزيعها. وهذا واضح أيضًا في قضية كبتاغون كبيرة أخرى أُغلقت مؤخرًا في ولاية بافاريا. وفي هذه القضية عرض أحد المشتبه بهم خططه التي كان يجب بحسبها إحضار الآلات المناسبة إلى النمسا وإنتاج ما يصل إلى طن واحد من الكبتاغون كل 20 يومًا.
ومع ذلك يفترض الخبراء أنَّ المسحوق الجاهز لصناعة الأقراص لم يعد يأتي إلى ألمانيا من سوريا أو لبنان وحدهما، بل حتى من مختبرات في هولندا. وأنَّ عصابات الكبتاغون تحاول الاستقلال أكثر عن الأنظمة الحكومية مثل نظام الأسد في سوريا.
وقد أظهر البحث أنَّ نظام الأسد يكسب من تجارة الكبتاغون ما يصل إلى نحو 50 مليار دولار سنويًا. ويشاركه في هذه التجارة أيضًا حزب الله اللبناني، وهي تجارة تدر عليهما أموالًا طائلة يمكن زيادتها من خلال نقل الإنتاج إلى دول مثل ألمانيا.
لقد أدركت السلطات الأمنية الألمانية الآن الحاجة الواضحة إلى ربط التحقيقات ببعضها في جميع أنحاء ألمانيا. وفي هذا الصدد أكد مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية عقد اجتماع عمل قبل بضعة أشهر، اجتمع فيه محققون من الشرطة الجنائية الاتحادية وشرطة الولايات ومدعون عامون لمناقشة مشكلة الكبتاغون والتحقيقات.
ومع ذلك يرى ضابط الشرطة الجنائية الاتحادية لوتس برايسلر وجود حاجة إلى القيام بإجراء، ويقول: « أعتقد أن قضية الكبتاغون ستشغلنا فترة أطول ».