قض مضجع إسرائيل وصار المطلوب رقم 1 لديها.. محمد الضيف (أبو جهاد): مهندس طوفان الأقصى

Image description
الجمعة 13 أكتوبر 2023 - 09:10 عز الدين بناصر

لم يكن طوفان الأقصى وليد لحظة غفلة من أقوى جيش وأقوى مخابرات في العالم كما يدعيه الكيان الصهيوني.. بل كان تخطيطا من طرف عقول عسكرية فلسطينية فاق دهاؤها دهاء أقوى جنرالات الجيش ورؤساء أهم المخابرات العالمية..

وتحديدا، العقل المدبر لأبرز عمليات المقاومة الإسلامية حماس، محمد الضيف أو أبو جهاد..

بيد واحدة وعين واحدة ومبثور القدمين، قد مضجع الكيان الصهيوني وصار شبحا يرعب إسرائيل التي وظفت كل إمكاناتها الأمنية والعسكرية والاستخبارية للإطاحة به.. لكنها تفشل كل مرة، فأبو جهاد فعلا شبح بما تصفه الكلمة من معنى، يخطط داخل أقبية تحت الأرض، ويسير قادة المقاومة واضعا خطط الهجوم على الكيان المغتصب دون أن يترك أثر.. حيث لا يستعمل التقنيات الحديثة ولا يتواصل عبر الهاتف..

كما لم يظهر سوى ثلاث مرات طوال عقدين، بصوت وبصورة معتمة، ولا أحد يعرفه على وجه اليقين غير صفوة من رجال المقاومة الإسلامية (حماس)، ولا تعرفه إسرائيل إلا بتلك الصورة المعتمة والصوت نفسه، وهي تسعى وراءه منذ عقود، والجميع يعرفه رمزا للمقاومة في فلسطين، والقائد الذي أطلق "طوفان الأقصى" بالحضور ذاته الذي بات كابوسا لإسرائيل.

فمن هو محمد الضيف، قائد الجناح العسكري لحماس، ولماذا اعتبرته إسرائيل المطلوب رقم واحد لدى أجهزتها العسكرية؟

في منتصف عام انطلاق الثورة الفلسطينية سنة 1965، ولد محمد دياب إبراهيم المصري أو (محمد الضيف).

تزامنت صرخاته الأولى في الدنيا مع أصوات الرصاصات الأولى لتحرير فلسطين، فبات مناضلا ومقاوما، فقائدا عاما لكتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ عام 2002.

وتحول من عاشق للتمثيل والمسرح إلى المطلوب رقم 1 في إسرائيل، وتلاحقه أجهزتها الأمنية والعسكرية منذ نحو 3 عقود.

بصورته المعتمة تلك، وصوته الهادئ والواثق، أعلن محمد الضيف صباح يوم السابع من أكتوبر 2023 انطلاق معركة "طوفان الأقصى" برا وبحرا وجوا. بنحو خمسة آلاف صاروخ سقطت على رؤوس الصهاينة في تل أبيب والقدس، تلاها اقتحام المقاومة مستوطنات وكيبوتسات وثكنات إسرائيلية، وقتل وأسر أعداد كبيرة من الجنود والضباط، وكانت العملية غير مسبوقة بحجمها وتأثيراتها ونتائجها.

ما يجعل محمد الضيف صيدا غير سهل لكلاب الاستخبارات الإسرائيلية هو نذرة المعلومات عنه، كما أن الصور المتوفرة له تعود لسنوات بعيدة، بما فيها صورة هويته الشخصية، وصورة قديمة له خلال اعتقاله في السجون الإسرائيلية في عام 1989، خلال الضربة الأولى التي وجهتها إسرائيل لحركة حماس والتي اعتقل فيها مؤسس الحركة الشيخ الشهيد أحمد ياسين.

يُعرف عن "الضيف" أنه لا يستخدم وسائل التكنولوجيا، ولا يظهر في الأماكن العامة، وتحركاته محسوبة بدقة شديدة، ويظهر فقط في الأوقات الحرجة، وتحديداً خلال الحروب التي تخوضها حماس ضد إسرائيل.

كما تغيرت ملامح محمد الضيف التي تبدو في صورته الوحيدة المعروفة، ولا تملك المخابرات الإسرائيلية (الموساد) ولا جهاز الاستخبارات العسكرية (الشاباك) صورة واضحة عن شخصية من يسميانه "الرجل الأفعى"، فقط ثلاث صور، إحداها لظله وثانيهما مأخوذة من ملفاته القديمة حين كان شابا، وصورة أخرى وهو ملثم، لذلك هو الهاجس الأول لإسرائيل والمطلوب رقم واحد لديها.

وإضافة إلى ما سبق، يكتفي "الضيف" دائماً بالتسجيلات الصوتية، ولا يظهر إعلامياً إلّا بصورة معتمة، للدرجة التي بات يعرف فيها باسم "الشبح"، وسبق أن ظهر صوتياً في عامي 2014 و2021، وآخر ظهور له صوتيا كان السبت الماضي، عندما أعلن عن بدء عملية "طوفان الأقصى".

نجا محمد الضيف (أبو جهاد) من محاولات اغتيال إسرائيلية تسببت له في إصابات بالغة، فقد على إثرها إحدى عينيه وبثرت يده وكلتا رجليه، وإن كانت هاته المعلومات حول حالته البدنية غير مؤكدة، كما قُتل عدد من أفراد عائلته في إحدى محاولات تصفيته.

وبالعودة لكرونولوجيا عمليات اغتياله الفاشلة من طرف الموساد، كان محمد الضيف المصنف ضمن لوائح الإرهاب الأميركية أيضا قد تعرض لأول محاولة اغتيال في 2001 لكنه نجا، وجرت محاولة ثانية لاغتياله عام 2002 عندما أطلقت مروحية "أباتشي" إسرائيلية صاروخين نحو سيارته، أصيب إثرها بجروح فتولى علاجه الشهيد الراحل عبد العزيز الرنتيسي الذي اغتيل بدوره عام 2004.

وفي عام 2003 حصلت محاولة أخرى فاشلة لاغتيال الضيف وبعض قادة حماس بصاروخ في غزة، وتكرر الأمر عام 2006 حين أصاب صاروخ إسرائيلي منزلا كان الضيف يجتمع فيه مع قادة من كتائب القسام، وقالت إسرائيل إنه أصيب بجروح بالغة جعلته مقعدا، دون أن تكون هذه المعلومات مثبتة.

وفي عام 2014 استشهدت زوجته وابنه الرضيع في غارة كانت تستهدفه في حي الشيخ رضوان بغزة.

وتشير بعض الشهادات إلى أن الضيف كان صانع قنابل بارع، وقد درس على يد يحيى عياش الملقب بـالمهندس، كما أنه شارك منذ سنوات في تصنيع أول الصواريخ التي أصبحت لاحقا ترسانة كبرى لدى فصائل المقاومة، وهو أيضا مهندس برنامج بناء شبكات الأنفاق الأرضية الذي استمر لنحو عشر سنوات.

كان محمد الضيف، الذي استمد كنيته هذه من تنقله الدائم بين منازل الفلسطينيين وحلوله ضيفا عليهم خشية الاغتيالات الإسرائيلية، رقما ثابتا في أربع حروب خاضتها المقاومة ضد إسرائيل أعوام 2008 المسماة بمعركة الفرقان، و2012 المعروفة باسم حجارة السجيل و2014 (العصف المأكول) و2021 (سيف القدس).

و"الضيف" من أسرة فلسطينية لاجئة هُجرت عام 1948 من قرية كوكبا الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة عقب النكبة الفلسطينية، وعاشت في مخيم خان يونس للاجئين، ولا تزال فيه حتى الآن.

نشأ "الضيف" في أسرة فقيرة للغاية، وعمل مع والده في الغزل والتنجيد، كما أنشأ مزرعة للدواجن، وعمل سائقاً قبل أن يصبح مطلوباً لإسرائيل، وأي مطلوب.. واضطر في بعض الأحيان للتوقف عن الدراسة من أجل مساعدة أسرته.

ومنذ بداية حياته كان الضيف ناشطاً بالجماعات الإسلامية في غزة، وكان أحد أعضاء الكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس، وعضواً ناشط بجماعة الإخوان المسلمين، التي كانت في بداية انتشارها بالقطاع مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.

حصل الضيف على درجة البكالوريوس في علم الأحياء، من الجامعة الإسلامية بغزة، عام 1988، وكانت له أنشطة فنية إبان دراسته الجامعية، وعُرف عنه حبه للتمثيل والمسرح، وشكّل فرقة فنية لهذا الغرض.

سطر محمد الضيف والمقاومة الفلسطينية ملحمة السابع من أكتوبر، والتي جاءت بعد خمسة عقود من نصر أكتوبر ثلاثة وسبعين، ليكرس شهر الهزائم الإسرائيلية كما كان يونيو شهر الهزائم العربية.

وبات "أبو خالد" علامة فارقة كقائد أركان المقاومة، واكتسب طوال النزالات السابقة مع إسرائيل هالة من الاحترام كقائد عسكري داخل حركة حماس وفصائل المقاومة، وبين جموع الفلسطينيين، وكان هتاف "حط السيف قبال السيف، إحنا رجال محمد ضيف" أحد أكثر شعارات ترديدا في مظاهرات الفلسطينيين بالضفة والأقصى وفي الداخل الفلسطيني عام 2021، ومن شأن عملية "طوفان الأقصى" بنجاحاتها العسكرية أن تحوله إلى شخصية أيقونية.

نصر عظيم بلا شك ما قام به الضيف ورجال المقاومة، لكنه في الجانب الآخر وعلى لسان العدو، وتحديدا صحيفة هآرتس كارثة إسرائيلية والعار الذي لا يزول.. كما أشارت الصحيفة العبرية في عددها الصادر يوم الثامن من أكتوبر 2023 إلى أنه "حتى لو عثرت إسرائيل على محمد الضيف في مخبئه وقدمته للمحاكمة فلن يكون لذلك أي معنى، إذ اكتملت الخسارة مع الصفعة الأولى".

في اللاوعي الإسرائيلي يبدو العثور على ذلك الرجل الشبح الذي ينحدر من أسرة فلسطينية مهجرة من بلدة القبيبة، ونشأ في مخيم خان يونس أو تصفيته معادلا معقولا نسبيا لما حل من "كارثة" أو ربما يخفف قليلا من وقعها، لكن إسرائيل ضيعت صورته وملامحه وآثاره منذ سنوات -وقد كان سجينا لديها عام 1989 لمدة 16 شهرا دون محاكمة- وبات فقط صوتا وصورة معتمة تقض مضجعها.