منذ 2018 بدأت جرائم قتل الأئمة تتوالى في الجزائر، ها هي الظاهرة تعود هذا العام بُعيد الاحتفال بعيد الفطر المبارك، وتحولت بيوت الله إلى مسارح للجرائم مرة أخرى، أئمة يذبحون وتحرق جثثهم، وفي الأخير يكتشف أن الجناة مختلون عقليا، أو لا يتم تقديم أسباب الاعتداء ونتائج التحقيق للمجتمع؟ وكيف يمكن حماية الأئمة وحماية بيوت الله وحرمتها؟
وبعد تعرض إمام مسجد «آيت عزيز» في تيزي وزو، كما جاء في موقع «آلترا الجزائر» فقد «قضت نيابة الجمهورية لدى محكمة «عين الحمّام»، بـ4 سنوات حبسا نافذا للمعتدي على إمام المسجد. وأوضحت نيابة الجمهورية لدى محكمة عين الحمام في بيان لها أنه وبتاريخ 23 أبريل تعرض الإمام المدعو «ط. أ» للاعتداء على الساعة 00و50 دقيقة من قبل المدعو «أ. ع»، وذلك على مستوى قاعة المحاضرات التابعة للمسجد».
ويضيف الموقع أن «الاعتداء تسبب للإمام في كسور على مستوى اليد اليمنى، ما استدعى إجراء عملية جراحية مستعجلة له.» هكذا نجا إمام مسجد «آيت عزيز» أحمد طيبي»، لكن سعيد تمتري، إمام مسجد «علي بن أبي طالب» في مغنية «لم يسلم وتوفي متأثرا بطعنة المختل عقليا»! فمن الإمام التالي، الذي سوف يقتل؟
كتب لهميسي حميد على صفحته في فيسبوك، مضيفا «وفاة الشيخ المغدور سعيد تمتري، إمام مسجد «علي بن أبي طالب»، وهو خريج المدرسة الوطنية لتكوين الأئمة في سعيدة سنة 2004، بعد تلقيه طعنة غدر قاتلة، لما كان يهم بغلق المسجد بعد صلاة الظهر، من طرف شخص يُقال عنه مختل عقليا، كيف لمختل عقليا، مع سبق الإصرار والترصد أن يقتل إماما، من دون الناس جميعا؟ كيف يُقتل الإمام في منبر النبوة، أين القوانين الرادعة، التي تحمي هيبة الإمام وقداسة المنبر؟! كيف يتم الاعتداء على الأئمة في هذا الوقت؟ وكأن شيئا لم يكن؟ أين وزارة الشؤون الدينية والأوقاف؟! يجب أن يقدم استقالته هذا الوزير، فالتنديد هو شعارهم، وأين نقابة الأئمة، كيف يموت الأئمة بطعنات الخناجر، وأين مدعي الدفاع عن الإسلام، أم أنتم صم بكم فهم لا يعقلون»؟!
وهناك من ربط الأمر بالسلفية، كما يمكن أن نستشف من منشور على صفحة عبد الغني القاسمي، الذي تطرق لمقتل إمام مغنية، وتساءل «كيف يتواطأ المجانين في الاعتداء على الأئمة في أيام متسلسلة، لا يمكننا إرسال الأحكام جزافا، فالجهة المخولة لذلك، هي «دار العدالة»، التي لها كل المعطيات والتحريات والأدلة، ولا نملك نحن إلا تخمينات وظنون، ولكن نشير إلى أن هناك فتاوى تحرض على العنف والاعتداء، تحت غطاء محاربة البدع وأهلها، فلا بد على السلطة أن تنتبه من هذا المسلك الخطير، ولا يُختلف عن الفتاوى، التي أفتت بجواز هدر دماء المسلمين الجزائريين في التسعينيات من القرن الماضي»!
أما حمادي حسام الدين، فقد كتب على صفحته على فيسبوك، مقارنا بين القارئ صاحب الصوت الجميل عبد العزيز سحيم وموت إمام «مغنية»، وعن التهافت على الأول لروعة صوته واستدعائه لإمامة المصلين في إمارة أبو ظبي، وإشادة العالم العربي الإسلامي والغرب المسيحي به، والمرور على مضض بالنسبة للثاني. ويرى «في هذا مفارقة وتضاربا في التعامل مع الحدثين».
لكن للأسف الشديد مجتمعنا يعيش في عالم مليء بالظواهر والأحداث، وبالتناقضات، فمن غير المعقول أن تقام كل هذه الضجة حول هذا الشاب، بصرف النظر عن ما كتبته أعلاه، ويستحق كل ذلك وأكثر، وفي المقابل تمر حادثة طعن الشيخ سعيد تمتري، مرور الكرام، أليس كلاهما ينتمي إلى بلد واحد، ويحمل كل منهما الستون الطاهرة في صدره، أم أن الرياء كان له دور آخر»؟!
إلى أن وصل صاحب المنشور للقول «اليوم قتل إمام في الغرب، وبالأمس القريب طعن آخر في الشرق، وقبله ضرب آخر في الوسط، وما زالت هذه الظاهرة الشنيعة منتشرة في المساجد، إذا لم يتم وضع كاميرات مراقبة في الحرم والباحات، لكي يسهل الكشف عن هوية الجاني، والضرب بيد من حديد لكل من سولت له نفسه المساس بأئمتنا وسادتنا فرسان المنابر حاملي الدعوة».
«فرنكشتاين» تونس وانقلاب السحر على الساحر
انشغل الرأي العام التونسي بما حدث للروائي كمال الرياحي، بعد حجب كتابه من معرض تونس الدولي، الذي انطلق في 28 الشهر الماضي، والذي يدوم إلى غاية 7 الشهر الجاري، في دورته 37 في الكرم، الدورة التي تحمل اسم «بشير بن سلامة» الوزير الأسبق للثقافة ومؤسس الظاهرة، وهذا العام تحت شعار «حلق بأجنحة الكتاب»، لكن الوقوع كان مؤلما للمثقف التونسي ولحرية الإبداع، حسب الكثير من المتابعين للشأن الثقافي والسياسي في تونس.
والتهمة تراوحت بين تطبيع المؤلف مع الكيان الصهيوني، ووزارة الشؤون الثقافية، كعادة وزارات الثقافة العربية تقدم حججا واهية. كتاب «فرنكشتاين تونس»، وكما هو مكتوب على غلافه، يشير إلى أن يتم «فيكتور أنشتاين» وحزنه بسبب موت أمه، انهمك في العمل على أبحاثه حتى صنع الوحش».
وكذلك «مشاعر اليتم الخلاقة هذه، هي نفسها التي كان يتخبط فيها الشعب التونسي قبيل انتخاب سعيّد، فقد فشل هذا الشعب في العثور على حل لتيهه التاريخي، بعد إسقاط ديكتاتور كان يعتقد أنه المعرقل الوحيد أمام إدراكه السعادة، فما هلل هذا الشعب يوما لحاكم إلا وانقلب عليه، فلا نفعه الحقوقي والمناضل ولا حتى السياسي»!
وفي اتصال هاتفي لقناة «موزاييك أف أم» مع الرياحي، الموجود في كندا، وعن محتوى الكتاب «مخّاخ»، اسم وحش بأربعة أجنحة ورأس بغل يمتص أمخاخ الشباب، وسؤال من يكون هذا الوحش وماذا يمثل وهل هو حقيقي أم استعارة؟
أجاب أنه «استعارة، ويمكن أن يمثل قيس سعيّد أو السلطة برمّتها. وحش صنعه الشعب. وتغول ولم يعد معنيا بملاحقة فقط الإسلاميين، بل انتقل لملاحقة الحداثيين والعلمانيين، وحتى الفنانين»!
واعتبر في أخر حواره أن ما حدث «فضيحة للسلطة بعد وأد كتاب». بالرغم من المساندة للكاتب من الداخل والخارج، إلا هناك من كان لهم رأي آخر، ومنهم هادي عبدي، الذي كتب منشورا، جاء فيه كمال الرياحي نشر مقالا في مجلة إسرائيلية بشأن عمل ملف هجرة لكندا بذريعة الهروب من الاضطهاد، وبعد ما استقر طبع 100 نسخة من كتاب تافه (قرأت شخصيا أكثر من نصفه ما قدرتش كمله) والسلطة الغبية تكمل المهمة فتحجز 20 نسخة متبقية من الكتاب، ويبلغ الكاتب الدعي كمال الرياحي غايته في إثارة الجدل وتجدد أنفاسه في لعب دور الضحية وتحقيق الكسب المنشود».
وكانت قد أعلنت فضيلة الشابي، ابنة الشاعر الكبير أبوالقاسم الشابي رفضها الحضور في «بيت الرواية» لتقديم روايتها الجديدة، وأصدرت بيانا قالت فيه «ألغيت لقائي المبرمج في بيت الرواية في مدينة الثقافة في تونس، وقمت بإعلام الإدارة رفضي القاطع التعامل مع مديره، وهو كاتب مطبع مع الكيان الصهيوني»، وهذا حسب ما جاء في العديد من صفحات رواد مواقع التواصل الاجتماعي على فيسبوك.
بالرغم من نفيه التطبيع مع إسرائيل وأن الترجمة لا تعني التطبيع، والعديد من الكتاب الكبار ترجموا للعبرية، مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، فإن تهمة وزارة الشؤون الثقافية تتمثل في كون «دار النشر المعنية خالفت القانون الداخلي للمعرض، وذلك بعرض هذا الكتاب، في حين لم يقع إدراجه ضمن القائمة، التي تم عرضها على لجنة العارضين للحصول على جناح في المعرض»، ومما جاء في البيان أيضا أن «الكتاب يباع بصفة عادية في المكتبات التونسية، فعن أي منع وقمع يتحدث البعض؟»، من الصادق ومن الكاذب، ومن المستفيد ومن الخاسر في هذه القضية؟ حتما الشعب هو من يدفع ثمن كل شيء، وتطاله كل التهم. ويدفع ثمن تهور الطبقة السياسية والطبقة المثقفة. والبعض ممن لا يستطيعون تقديم الولاءات لينفذوا بجلودهم، مثلما حدث للشاعرة شيماء عيسى، التي أودعت السجن، وقد توجه لها عقوبة الإعدام، لكن لم يتم تجييش الرأي العام، ولا النخب للدفاع عنها والتضامن معها. تراجع كبير للحريات فيك يا تونس!