"غول الجبل" (Troll) أحدث إنتاج للسينما النرويجية التي بدأت مع مطلع القرن العشرين، ووصلت إلى حالة نضج بعد الحرب العالمية الثانية بفضل مخرجين كبار، منهم أرنه سكوينس الذي رشح فيلمه "تسع حيوات" (Ni liv) لأوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام 1957، وقدمت السينما النرويجية حتى الآن ما يقرب 3 آلاف فيلم، جاء أغلبها تقليدا النموذج الهوليودي.
ورغم الموضوع النرويجي الخالص بالفيلم الذي كتبه وأخرجه رور أوثوغ، ويعرض حاليا على شاشة نتفليكس، فإن ثمة ظلال لكائنات وهموم تتجاوز النرويج ثقافيا وفكريا، إذ يبدو الغول أقرب للغوريلا الشهيرة كينغ كونغ والتي قدم عنها العديد من الأفلام بدءا من عام 1933 باعتبارها كائنا خرافيا وحشيا، كما يقترب الغول من غودزيلا ذلك الوحش الخرافي الياباني الذي قدم عام 1954 لأول مرة من قبل المخرج إيتشيرو هوندا في فيلم بالاسم نفسه، ويتمتع غول الجبل بتلك الصفات التي نسبت إلى الوحشين السابقين وهي السذاجة والقلب الرحيم واللجوء للعنف بعد استنفاد سبل السلام.
التراث القومي
يعود مؤلف ومخرج الفيلم بالزمن نحو ألفي عام، ليعيد صياغة الحكايات الشعبية الخيالية للمنطقة قبل دخول المسيحية إلى البلاد، والتي ترى أن الجبال ليست مجرد "جماد" يتشكل من الصخور والتراب المغطى بطبقة من الجليد، وإنما هي كائن حي شديد الضخامة يدعى "غول الجبل ".
واستطاع أوثوغ أن يسافر عبر الزمن مرة أخرى عائدا إلى أيامنا بالحكاية الخيالية، ليجعل وحشه الخيالي يستيقظ على وقع تفجيرات هائلة لجبل دوفر الشهير من أجل إنشاء خط سكة حديد.
ويستيقظ الغول النائم منذ ألف عام غاضبا، ليحاول الوصول إلى العاصمة ستوكهولم، وهو ما يشكل خطورة على الدولة النرويجية نفسها إذ يدمر كل ما يجده في طريقه.
ويقدم المخرج والكاتب قصة فيلمه من خلال الأب توبياس تيدمان (الممثل جارد إيدسفولد) الذي يعلم ابنته المراهقة نورا تيدمان (الممثلة إين ماري ويلمان) أن الجبال ليست مجرد جماد وإنما كائنات حية، وحين ترفض تصديق الأمر، يعترف لها بالشرط الأهم الذي يجعلها تستطيع أن ترى تلك الوجوه وهو "الإيمان" بمعنى أنها إذا آمنت بوجودها فسوف تراها. وتبدأ الفتاة بتنفيذ الشرط، وتشاهد بالتدريج وجوه الوحوش الجبلية.
يقفز السرد الفيلمي نحو 20 عاما لنجد الفتاة المراهقة وقد تحولت إلى باحثة مرموقة بالحفريات، بينما فقد الأب درجته الأكاديمية وأودع مصحة للأمراض العقلية ومن ثم خرج ليعيش وحيدا مصابا بجنون الارتياب، وقد لفظه المجتمع العلمي بسبب تصديقه لوجود "غول الجبل " حتى أن ابنته قطعت علاقتها به.
وتفاجأ الابنة بطائرة عسكرية تطلبها فورا لمقابلة المسؤولين، وذلك لبحث مسألة خطيرة هي هجوم من قبل مجهول أدى إلى دمار واسع في منطقة إنشاءات السكة الحديد بوادي دوفر.
وتكتشف الباحثة المرموقة -من خلال ملفات الفيديو المتعلقة بالهجوم- أن المهاجم يملك قدمين ويدين ورأسا ووجها، وأنه يشبه إلى حد كبير "غول الجبل" الذي حكى عنه والدها.
يتم تشكيل فريق لمواجهة الوحش الذي تفشل الأسلحة التقليدية في مواجهته، ليقرر ممثلو السلطة قصفه بسلاح نووي، وهو ما يسبب رعبا شديدا للباحثة ووالدها الذي انضم لفريق العمل.
كان السؤال الكبير: لماذا يريد الوحش الوصول إلى العاصمة؟ تجيب الابنة ووالدها عن السؤال مؤكدين أن الهيكل العظمي للجد الأكبر لهذا الوحش وضع أسفل قصر الملك، وهو يسعى للحصول عليه.
وتكتشف الباحثة أن صوت أجراس الكنائس وضوء الشمس من الأسلحة التي تؤثر في الوحش وليس السلاح النووي.
مراهقة درامية
ولم يستطع سيناريو الفيلم أن يحول أفكاره لأشخاص، فجاء العمل يشبه مجموعة من الإشارات إلى قضايا عبر شخصيات لم يتم بناؤها على النحو الصحيح.
وثمة إشارات إلى خطورة ما يسمونه "غضب الطبيعة" نتيجة الاعتداء على الغابات والجبال من قبل الإنسان، وهي هامة ومشروعة في ظل الخطورة التي يمثلها التغير المناخي، كما لفت الفيلم إلى تلك المصداقية التي تتمتع بها الثقافات الأصلية للشعوب بما تعنيه على المستوى الرمزي من حماية للأرض وللحياة الإنسانية، لكن الأزمة في العمل تتعلق بالبنية السردية التي لم تقدم قصة متكاملة لأسرة الباحثة، ولم تشبع فضول المشاهد حولها.
ولكن الأكثر غرابة هو أسلوب الباحثة التي أدخلت إلى اجتماع يضم أهم العقول والقيادات بالدولة من سياسيين وعسكريين وعلماء، فجاء تعاطيها معهم بمنتهى الغطرسة واعتبرتهم حمقى.
وقدم الفيلم ملك النرويج باعتباره غائبا تماما عن واقع دولته، فبينما أعلنت الطوارئ في البلاد وأوردت شاشات الأخبار على مدار اليوم أخبار الوحش، وتدميره لكل ما في طريقه واستعرضت الشاشات صورته، يكتشف القارئ أن الملك نفسه يعرف الوحش ويعرف سر غضبه، لكنه لم يتخذ أي إجراء لوقفه إلا بعد أن اقتحمت الباحثة وفريقها قصره.
وأضفى صناع العمل على غول الجبل سمة إنسانية واضحة، فرغم أنه هاجم منتزها عاما ودمر كل ما وجده في طريقه، وهوجم بالطيران، فالتقط الطائرات كحبات العنب وألقى بها لتتحول كل منها إلى شعلة نار، لكنه أنقذ طفلا يقف في منتصف المنتزه.
وبعد وقت قصير قتل غول الجبل والد الباحثة دون ضرورة درامية رغم أنه الوحيد الذي آمن به، ودفع الجميع للإيمان به فيما بعد، وهي إشارة إلى عدم قدرة غول الجبل على التمييز في حالة الغضب، باعتباره ينتمي إلى قوى الطبيعة.
قصص عاطفية غير مكتملة
وقد ضم فريق مواجهة الغول القائد العسكري كريستوفر هولم (الممثل مادس سيجورد بيترسين) بالإضافة إلى أحد مستشاري رئيس الوزراء (الممثل كيم فالك).
وقدم الأول معادلا لرمزية العاشق المثالي، واتخذت علاقته مع الباحثة مسارا يمكن للمشاهد أن يتوقع لها أن تتوج بالزواج، وعلى الطرف الآخر جاء مستشار رئيس الوزراء المحب للأدب، ليقدم جرعة كوميديا تخفف قليلا من أجواء الدمار. ولأنه كاتب أيضا، فقد دفع صناع العمل المشاهد لتوقع المزيد في العلاقة بينه وبين الباحثة، لكن الأمر انتهى عند هذا الحد.
ورغم نجاح الفريق في مواجهة الوحش بأقل الخسائر الممكنة، فإن أغلب شخصيات العمل -وخاصة تلك التي تعمل بالحكومة النرويجية والقوات العسكرية- جاءت أشبه برسوم الكاريكاتير من حيث المبالغة في الأداء، فضلا عن الحوار الذي يصعب ربطه بما يمكن سماعه في الواقع.