يتجه المغرب نحو اعتماد اللغة الإنجليزية في تدريس المواد العلمية في مختلف المستويات الدراسية والمقررات التعليمية، في حين أن المعتمد حالياً في البلاد هو التدريس باللغة الفرنسية المهيمنة على تدريس المواد العلمية.
وأعلن أخيراً وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمغرب شكيب بن موسى وعي الدولة بأهمية التدريس باللغة الإنجليزية، إلا أن الحكومة لم تقدم بعد على اتخاذ خطوات تنفيذية لتطبيق الانتقال من الفرنسية إلى الإنجليزية.
وتتنامى في المغرب دعوات إلى التخلي عن اللغة الفرنسية في التعليم وفي عدد من القطاعات الأخرى، والاعتماد على "لغة شكسبير" بشكل أكبر، بينما يرى بعض المهتمين أن اللغة الفرنسية لا تزال تلبي "احتياجات الدولة" في عدد من المجالات لاسيما الاقتصادية منها.
الحكومة تراهن على الإنجليزية
وعاد جدل التعليم باللغة الإنجليزية إلى واجهة النقش في المغرب بعد ما صرح وزير التعليم بمناسبة الافتتاح الرسمي للموسم الدراسي الجديد، أن وزارته تعي جيداً أهمية تدريس اللغة الإنجليزية في المؤسسات التعليمية.
وأعلن الوزير بن موسى أن اللغة الإنجليزية تدرس في ألفي مؤسسة تعليمية بالمغرب، على يد تسعة آلاف أستاذ، كاشفاً عن أن هناك نية لتوسيع تدريس هذه اللغة في مستويات الإعدادي وأيضاً في بعض المواد العلمية.
ولم يفت الوزير المغربي الإشارة إلى أن "قانون الإطار لقطاع التربية والتكوين" في المغرب نص على إتاحة المجال لتدريس المواد العلمية بلغات أجنبية، إلا أنه لم يحدد ما هذه اللغات.
وتابع بن موسى أن "هذا الهدف يتعين الوصول إليه عبر بعض الوسائل، منها إحداث منصات لمساعدة التلاميذ على تعلم اللغة الإنجليزية، فضلاً عن رفع عدد مناصب توظيف أساتذة تلك اللغة بدءاً من العام الدراسي المقبل".
وفي السياق ذاته سبق لوزير التعليم العالي المغربي عبد اللطيف ميراوي أن وعد أخيراً بإدخال إصلاحات رئيسة إلى التعليم بالجامعات المغربية بداية من الموسم الجامعي المقبل، بخاصة إخضاع الطالب طيلة سنوات "الإجازة" للتعلم باللغة الإنجليزية، وفي مرحلة "الماستر" سيتم تدريس بعض الوحدات باللغة الإنجليزية أيضاً.
نقاش مجتمعي
من جهة أخرى قال رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية الدكتور فؤاد بوعلي أن "النقاش الجاري حول اعتماد اللغة الإنجليزية في تدريس المواد العلمية وفي التعليم بصفة عامة بالمغرب هو نقاش ذو شقان، الأول شق رسمي يدخل في إطار مسار فرض اللغة الفرنسية من خلال القانون الإطار، لتكون لغة التعليم في البلاد"، لافتاً إلى أنه لا يتوقع أن "يحصل هذا الانتقال والتغيير في القريب العاجل، بدليل ما قاله وزير التربية الوطنية عندما تحدث بلغة التسويف والوعود المستقبلية، أكثر من طرح خطة تنفيذية واضحة المعالم للانتقال من الفرنسية إلى اللغات الأجنبية الأخرى".
أما الشق الثاني من النقاش بحسب بوعلي فهو "شق مدني باعتبار أن المطالبة بإبعاد الفرنسية من التعليم والفضاء العمومي والمؤسسات المختلفة صارت نقاشاً مجتمعياً، وأضحى المجتمع يطلق كثيراً من المبادرات من أجل التوعية بمخاطر المد الفرنكفوني في المجتمع". وزاد أن "اللغة الفرنسية صارت تفقد مساحات مهمة في مجالات المعرفة والعلوم والتكنولوجيا"، لافتاً إلى أن "نشر مقالات علمية محكمة في المجلات العلمية المعتمدة يكون غالباً باللغة الإنجليزية، لكونها باتت شئنا أم أبينا هي لغة العلم والمعرفة والتواصل مع العالم."
التدريس باللغة الوطنية
وأكمل بوعلي حديثه قائلاً إن "القضية ليست استبدال لغة أجنبية بلغة أخرى على الرغم من أن الدستور يتحدث عن لغات الانفتاح واللغة الأكثر تداولاً في العالم، لكن المسألة تبقى أعمق من ذلك بكثير، فالدراسات الأكاديمية تؤكد أن التدريس بأية لغة أجنبية لن ينتج إلا تخلفاً واجتراراً وتبعية لهذا المعسكر أو ذاك". وشرح رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية قوله بالتأكيد على أنه "إذا أردنا تنمية الوطن ونقل البلاد إلى مصاف البلاد المتقدمة، فإن الأصل هو الاعتماد على اللغة الوطنية، لأنها تتيح الإبداع بشكل أكبر وتنتج المعرفة".
واستدل المتحدث عينه بأنه "لا توجد دولة في العالم المتقدم على الإطلاق تدرس بغير لغتها الوطنية، لأنها ليست مجرد لغة هوية أو ثقافة محلية، بل لغة قادرة على استيعاب المعرفة ونقلها بيسر وسهولة".
ولفت بوعلي إلى ما سماه "الأزمات التي يتخبط فيها التعليم المغربي عندما تم اعتماد اللغة الفرنسية"، مشيراً إلى أن "العالم تجاوز اللغة الفرنسية، ولكنها في المغرب لا زالت مفروضة من طرف اللوبي الفرنكفوني".
للفرنسية مكانتها؟
وشهدت الآونة الأخيرة حملات عدة من طرف نشطاء مغاربة تدعو إلى التخلي عن اللغة الفرنسية واعتماد اللغة العربية في المعاملات والإدارات، وأيضاً إقرار اللغة الإنجليزية في التدريس والمؤسسات التعليمية.
ونادت عرائض إلكترونية برفض استخدام اللغة الفرنسية في المؤسسات الرسمية، وإرساء ما سمته "العدالة اللغوية" في المغرب، منتقدة الاعتماد الكبير على "لغة موليير"، ومعتبرة ذلك نوعاً من الضرب في الهوية المغربية، وترسيخاً لنهج التبعية للبلد الذي سبق أن كان مستعمراً للمغرب.
وفي السياق برزت أخيراً حملة أطلقها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي تدعو المغاربة إلى تغيير لغة إعدادات هواتفهم المحمولة من اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية، تحت وسم "مليون هاتف بالإنجليزية".
في المقابل رأى الأستاذ الجامعي للغة فرنسية عبد الغفور مدكون أن "الدعوات والحملات ضد اللغة الفرنسية هي حملات موسمية تظهر في سياق أحداث أو وقائع معينة، مثل الأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا". وأوضح أن "رفض استخدام اللغة الفرنسية بهذا الشكل المطلق لا معنى له ولا يمكن أن يحقق أية نتائج، لأنها لغة أجنبية لها مكانتها خصوصاً في العالم الفرنكفوني"، مبرزاً أن "المغرب تربطه علاقات وطيدة ومهمة بالدول الفرنكفونية لا يمكن إنكارها".
واسترسل المتحدث بأن "الأجدى في النقاش وإطلاق الحملات والدعوات هو تلقين اللغات الأجنبية سواء فرنسية أو إنجليزية أو غيرهما لفائدة التلاميذ والطلبة، وليس استهداف لغة أجنبية بعينها، بخاصة أن المغرب لا يزال يتعامل بهذه اللغة في تعاملاته الاقتصادية مع عدة شركاء دوليين وإقليميين".