في هذا الحوار يحكي لنا الدكتور يوسف الإدريسي الحسني من العاصمة الفرنسية باريس، تفاصيل دقيقة عن العمل الجمعوي الراهن وعن حيثياته الكبرى في النهوض بالقضايا الهامة التي تمس كيان المواطن ودولته، محددا لنا مساهمته النيرة في الرقي بهذا العمل والدفاع عن القضايا الوطنية، لا سيما منها ما يخص الثوابت والمقدسات الوطنية في هذا الاتجاه، والتي أصبحت المجال الخصب والحقيقي المتلاعب به عبر الوسائط الرقمية. الإدريسي الحسني يوسف رئيس الجمعية الفرنسية المغربية لحقوق الإنسان بباريس ومستشار الجمعية الفرنسية المغربية للتربية الإنسانية، هو مهاجر مغربي حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون الفرنسي، راكم أبحاثا كثيرة في المجال الحقوقي والجمعوي، كما أطر مجموعة من اللقاءات والندوات داخل المغرب وخارجه حول ما يتعلق بالعمل الجمعوي والحقوقي- والمطالبة باللجوء السياسي، يشهد له بنبراس وكفاءته العالية في الترافع عن العديد من القضايا الهامة التي تخص اللاجئين المغاربة (قضايا اللجوء)- المتواجدين خاصة على الأراضي الفرنسية بقصد تسوية أوضاعهم.
عمل كبير تقومون به كحقوقي وكرئيس للجمعية الفرنسية المغربية لحقوق الإنسان بفرنسا -ما حدود انشغالاتكم في هذا الإطار؟
لا حدود لانشغالاتنا في هذا الإطار كما تحدثتم، عدم تجاوز أو التطاول على القانون هو من يحد عملنا داخل الجمعية. نحن نحاول النهوض بهذا العمل أكثر والحرص على نجاعته، صحيح أن هناك بعض الخطوط الحمراء التي لا يمكننا الخوض فيها أو النزول عند رغبة الإنسان منها، أخبركم أنه كثيرا ما نتوصل طيلة أيام الأسبوع بملفات كثيرة مختلفة ومتنوعة، بغرض النظر فيها وتقويتها بالسند القانوني والحقوقي، وإذا تعذر علينا الأمر أحيانا نحاول مد العون للمتقدم بها، وهذا أقل ما يمكن فعله من هذه الناحية، ليس في المجال الحقوقي وحده بل في مختلف المجالات التي نحن على علم بها. لكن تعلمون جيدا أن هذا الباب لا يسمح لنا بالعمل خارج مسطرته، وهو ما نتشبث به قانونيا. داخل العمل الجمعوي كذلك ينطبق الحال، نحاول أخذ العينة من الملف الذي نحن بصدد الترافع عنه، وإذا وجدناه يتلائم ويتماشى مع القانون الداخلي والأساسي للجمعية نتكفل به ونأخذه بعين الاعتبار دون تردد.
تتقاضون أجرا على مثل هذه الأعمال الجمعوية؟
العمل الجمعوي وكما هو متعارف عليه هو عمل تطوعي، لكن لا ننكر أن هناك ثمة من يوظفه بالتكسب منه لأغراض مادية وأخرى بدافع الشهرة، ولا يخفى عليكم أن الساحة مليئة اليوم بشرائح واسعة هدفها المال، خاصة بعد هذه القفزة النوعية التي شهدت تزايد الجمعيات التي كثيرا ما يتمحور هدفها حول الاسترزاق بأرواح الناس، عبر بث فيديوهات تكاد أحيانا تميل إلى خلق ما يمكن أن نسميه "البوز" عوضا عن التحسيس والتوعية. الملفات التي أشتغل عليها كحقوقي خارج فضاء الجمعية طبيعي أن أحصل فيها على مستحقاتي، لكن داخل الجمعية لا دعم لنا ماديا ولا نتهاوى نحو ذلك، اتفقنا جميعا مع كل الأعضاء أن نمد يد العون للناس الذين سلبت منه حقوقهم وذك ما سطرناه منذ تأسيسها، وأن نساعد كل محتاج بعد الاطلاع على ملفه، وإذا ما استوجب الأمر التدخل فلا نتردد في تسوية وضعه. عليك أن تعلم أننا نشتغل في إطار أساسيات ما هو جمعوي، ولكل منا مهنته الخاصة يتقاضى منها ما يعيل به نفسه وأسرته، هذا العمل بالنسبة لنا (الجمعوي) هو بمثابة منظار آخر للالتفات نوعا ما إلى مبدأ الإنسانية من دون انتظار أي مقابل.
عقدتم شراكة مع الجمعية الفرنسية المغربية للتربية الإنسانية مع طبيعة هذه الشراكة؟
نعم عقدنا شراكة مع هذه الجمعية منذ ما يقارب سنتين ونصف تقريبا بالعاصمة الفرنسية باريس، وذلك من أجل التعاون وخلق تكتل متين يقوي من العمل الجمعوي جماعة. الجمعية المذكورة وبعد الاطلاع على قانونها الداخلي والأساسي، وجدناها تتناسب مع أهدافنا نحن أيضا، وبالتالي فهي الأخرى من بين الجمعيات التي تشتغل ضد تعنيف المرأة والطفل.. لذلك ارتأينا خلق هذا التعاون القوي سبيلا في العمل البناء الذي يروم تعزيز بيت العمل الجمعوي الصارم، وهذه الشراكة ليس مع الجمعية الفرنسية المغربية للتربية الإنسانية وحدها وإنما مع جمعيات أخرى تلتف حول هذا السند الحقوقي والإنساني وتحترم نفسها.
شهادات حية تقول أنكم من أبرز المهتمين بقضايا اللجوء السياسي في الآونة الأخيرة كيف تقيمون قضية هذا اللجوء على اعتبار أنكم حملتم هذا المشعل كثيرا في أكثر من لقاء ومناسبة؟
موضوع اللجوء هو موضوع شاسع ومتشعب، نظرا لما يحتويه من عدة قوانين وتبويبات يتحين على البعض الاطلاع عليها أولا وفهمها قبل التطفل عليها، ويجب هنا أن نميز بين ما يسمى باللجوء التقليدي واللجوء الدستوري، فالتقليدي مقتضاه اتفاقية جنيف 1951، فيما الدستوري يبقى أمرا معقدا وتبقى مصلحة "أوفبرا" (OFPRA) هي من تشرف على منح هذا النوع من اللجوء. لكن دعني أقول لك بأن اللجوء الدستوري هو حق يتمتع به كل شخص تعرض للاضطهاد بسبب عمله ونضالاته لصالح الحريات.
في نظركم ما شروط من يرغب في طلب اللجوء الدستوري؟
طلب اللجوء الدستوري يتوفر على شروط كثيرة منها مثلا، أنه لا يمكن المطالبة به ما لم تكن على سبيل الذكر ناشطا حاليا أو سابقا وبأدلة جانبية تكون ملموسة، مثل أن تكون ناشطا في إنشاء نظام ديمقراطي، أو القيم المتعلقة به كحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، أو حرية تشكيل النقابات وغيرها... وفي هذا الصدد نجد أن الفئة المستفيدة من اللجوء الدستوري أكثر، هم معارضو التطرف السياسي أو الديني والصحفيون أو المثقفون الذين يناضلون من أجل حرية الصحافة أو حرية التعبير، وكذلك النساء المناضلات من أجل حقوقهن، واللاتي يعتبرن من بين المستفيدات من قرارات المحكمة المتعلقة بمنح اللجوء الدستوري منذ عام 2001 وفقا لما حددته المحكمة الوطنية لحق اللجوء، وبالتالي يبقى الاختلاف الجوهري بين اللجوء التقليدي والدستوري، أن التقليدي يستند إلى اتفاقية جنيف التي ذكرناها آنفا، بينما الدستوري يستند إلى الدستور الفرنسي. عموما فاللاجئ يمكن اعتباره هو إنسان يؤمن بالحقوق ويدافع عنها ومشبع بها.
على اعتبار أنكم مهاجر مغربي مقيم بفرنسا ماذا عن حق اللجوء بفرنسا؟
كي نرفع اللبس عن بعض النقط التي تهم طلب اللجوء بفرنسا، وجب أن نحيط أنفسنا علما بشيء يبدو مهما وهو أن حق اللجوء يبقى حق من حقوق الإنسان والمنصوص عليها في اتفاقية جنيف 1951 كما قلت لك سابقا، إذ لا أحد له الحق في الاعتراض على ممارسة هذا الحق لا من قريب ولا من بعيد كيفما كانت صفته، ما عدا الجهات المخول لها ذلك. فبحسب هذه الاتفاقية فإن اللاجئ هو كل شخص يتواجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة بسبب خوفه من التعرض للاضطهاد بسبب العنصرية، أو الدين، أو تبنى رأيا سياسيا معينا...، إذ أن لكل دولة أوروبية مؤسساتها المختصة قصد النظر في طلبات اللجوء كما لديها كل الوسائل قصد التأكد من صحتها. بالنسبة لفرنسا نجد على سبيل المثال لا الحصر مؤسسة (اوفبرا) التي تنظر في مثل هذه الطلبات وتقرر بشأنها إما بالرفض أو القبول، وهذا متوقف بطبيعة الحال على المعطيات التي يدلي بها طالب اللجوء سواء كانت وثائق أو وقائع. غير أن الملاحظ خاصة في الآونة الأخيرة، أن على الفرد أن ينتظر شهور قبل أن يتمكن من إطلاق إجراءات طلب اللجوء في إقليم باريس. بطبيعة الحال فطابور الانتظار يبقى غير مرئي، وهذا بسبب افتتاح خط هاتف إجباري، حيث نجد أن الاتصال به ليس بالأمر الهين والسهل، من أجل حجز موعد مع مؤسسات الاستقبال، ومن هنا وجب التذكير أن الجمعية الفرنسية المغربية لحقوق الإنسان بباريس واعية بهذا المشكل الذي يؤرق بال طلبي اللجوء بفرنسا، حيث سبق وأن راسلنا وزارة الداخلية الفرنسية في هذا الموضوع هذا قصد إيجاد سبل كفيلة وصيغة مبسطة من أجل الحصول على موعد عوض الاتصال عبر الهاتف، والذي لا يجيب في كثير من الأحيان حسب شهادة العديد من طالبي اللجوء بفرنسا على اختلاف جنسياتهم.
ما الذي يعنيه إعادة توطين اللاجئين؟
من المعلوم أنه لا يمكن للاجئين العودة إلى ديارهم مادام هناك الصراع أو الاضطهاد يعرضان حياتهم للأخطار الجسيمة. لكن يبقى هؤلاء اللاجئين في بعض الحالات يتواجدون في أوضاع غير آمنة داخل البلدان التي فروا إليها. وبالرجوع إلى مسألة "إعادة التوطين" سنجد أنها عملية لاختيار بعض اللاجئين ونقلهم إلى دولة ثالثة توافق قبولهم كلاجئين كما يحصلون على الإقامة الدائمة فيها، الشيء الذي يضمن حمايتهم من الإعادة القسرية ويمنح اللاجئين المعاد توطينهم وكذا عائلاتهم فرصة الوصول إلى حقوق مماثلة لتلك التي يتمتع بها باقي المواطنين. كما لا يجب أن ننسى أن إعادة التوطين تمنح الفرصة للاجئين لأن يحصلوا على الجنسية في نهاية المطاف. لذلك لا يجب أن نفهم من عملية "التوطين" الخاصة باللاجئين على أنها عملية إقصاء لهم وإنما المراد منها الحفاظ على حياتهم من الأخطار التي قد تهدد حياتهم وكذا حياة عائلاتهم في البلدان التي فروا إليها.
بعيدا عن اللجوء كنتم ممن يدافعون عن القضايا الوطنية خارج الوطن وغير بعيد كنتم ممن يصفون ما يجري عبر مختلف الوسائط الرقمية بالمبالغة في الوطنية ما تعليقكم؟
صحيح يثير انتباهي كثيرا كيف أن الوطنية أضحت بيد النصابين أولئك الذين يحاولون فقط الظهور على أساس أنهم يدافعون عن وطنهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم اليقظة بعد. فالوطن يحتاج إلى أيادي منتجة، يحتاج إلى أناس يتركون شيئا نبيلا لهذا الوطن يذكرهم بها التاريخ، وليس لحمل الراية عبر هذه الوسائط والتظاهر بها أمام الكاميرات، أملا في الحصول على ثقة الناس منها. صحيح أيضا أننا لا ننكر تلك الروح الوطنية التي تتميز به فئة قليلة عن أخراها، أولئك الذين يناقشون بعض الأمور بالفكر اليقظ لا العواء على مستوى هذه الشاشات، التي أصبحت تثير فضول البعض، بل تثير فضول الظهور للناس دفاعا عن الوطن الذي لا ينتظر منهم شيئا سوى الكد والاجتهاد، وعليه أختصر لك كلامي بأن المبالغة في بعض الأمور تؤدي بنا إلى التكرار دون أية إنتاجية.